حاجة العاملين للإسلام إلى السيرة النبوية

البعض حين ينظر إلى تعقيدات الواقع المعاصر يكاد ييأس من الحل للنهضة بالأمة الإسلامية، وعند الرجوع للسيرة تجد أن زمن بداية النبوة أشد تعقيدا؛

فالرسول صلى الله عليه وسلم ابتدأ وحيداً، والكرة الأرضية كلها مظلمة بليل أسود حالك، وأول من وقف في طريقه عشيرته، ثم العرب، ثم الفرس والروم! لا تزال السنة النبوية (أحداثاً وأحاديث) منهلاً عذباً للعاملين للإسلام، وهي تُعطي لمن يتأملها من العاملين تصورا ناضجا للدين الإسلامي
والله سبحانه وتعالى جعل نبيه يسير على سننه في التغيير، ولم يجعل عدد أتباعه في أول يوم في النبوة كأتباعه في آخر يوم في حياته الشريفة.
وغالب المعجزات التي حصلت لرسولنا الأمين كانت في إثبات صدقه وليست في تجاوز سنن التغيير، فانظر إليه حين يرى ياسر وسمية يُقتلان وبلالا يعذب ولا يملك فكاكهم من هذا العذاب، ثم انظر كيف ابتدأ الدعوة (سراً) سنوات، وهو النبي المؤيد بوحي من الله، وكيف صبر هذه الأعوام يدعو مُرغِّبا مُرهِّبا
ثم تأمل في الأسباب الحسية التي اتخذها يوم هجرته فلن تجد قائدا عسكريا محنكا بإمكانه اتخاذ إجراءات أمنية فوق ما اتخذ رسولُ الله!
ابتدأت هذه الإجراءات من ساعة إخبار صاحبه بالقرار إذ قال له أَخرِج من عندك، ثم ترتيب أمر الراعي والدليل ثم الاختباء في الغار ثلاثاً ثم سلوكه غير الطريق المعتاد، ثم عدم إخبار من لاقى في الطريق بشخصيته، ثم انظر إلى ما كان يلبس في الحروب من لأمة ودروع، ثم الحفر يوم الخندق، وإلى توريته إن أراد غزوة بغيرها،
وما الموقف المعروف في قصة حاطب إلا لحرصه الشديد على الكتمان، ومواقف السيرة في هذا تطول.
ومن جهة أخرى فانظر إلى اعتباره سنن الله في التأثير في النفوس والتعامل مع تنوع الناس فكان يتألف أقواما بأموال ضخمة،ويتقي شر بعضهم بالمداراة.
والمراد من هذا كله: أنه كما أن من السنة الاقتداء به في صفة الصلاة والوضوء؛ فإن من السنة الاقتداء به في سنن التأثير والتغيير.
والمراد أيضا أن يُتنَبّه إلى شمولية السنة والسيرة، ووفائها بالحاجات المنهجية والسلوكية والفقهية والعقدية للعاملين للإسلام.
ومما يُميز السيرة النبوية في هذه القضايا أنها تعطي أمر مراعاة السنن في الإصلاح بُعداً شرعيا يتقرب العامل للإسلام بامتثاله إلى الله تعالى.
كما أنها -وهذا مهم جداً- ترسم الخط الفاصل بين تجاوز الأوامر الشرعية القطعية بدعوى مصلحة الدعوة وبين الهدي الشرعي في مراعاة السنن والمصالح.
ومما يميزها -أيضاً- أنها تساعد العامل للإسلام على موازنة عادلة في تقدير المصالح المعتبرة شرعاً (ما بين سلامة دين الناس ودنياهم)
فمرور سريع على المرحلة المكية -مثلا- يُظهر لنا تقديم مصلحة الثبات على العقيدة ووضوحها متميزة صافية على سلامةٍ حسية لبعض الأفراد المسلمين.
وتبقى السيرة النبوية مشعلاً يقتبس منه العاملون للإسلام، ومتى ابتعدوا عنها حصل الانحراف والخلل،ما بين عامل مخلص لكنه مفرِّط في اتخاذ الأسباب ومراعاة السنن، أو آخر يُفرِط (بتخفيف الراء) في النظر المصلحي المجرد، بعيداً عن حدود الشرع الواضحة في السيرة في مثل هذه القضايا.
تمّت
 
Share

اترك تعليقاً