الاضطراب في الاستدلال بالسنة لدى عدنان إبراهيم..(حديث زُر غِباً..أنموذج)

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفتُ على مقطع للدكتور عدنان إبراهيم لا يتجاوز الدقيقة الواحدة، يتحدث فيه عن أهمية أن يكون الإنسان خفيف الظل على مخالطيه ومن يتواصل معهم حتى لا يكرهه الناس، ثم دعّم هذا الكلام بقوله – نصاً- :
“النبي لما شاف واحد من الصحابة مش حنذكر اسمه؛ يقولك لك ها.. الشيخ بيطعن فيه بعدين، واحد من الصحابة، إيش أعمل له، ثابت عنه.. كل يوم عند النبي بدو ياكل.. رايح جاي رايح جاي.. طالع نازل..أكل أكل، يا أخي شوف غيري .. النبي يعني.. شوف غيري .. كل عند أبو بكر مرة، عند عمر، عند أبو ذر.. عند أي واحد! فالنبي في الأخير قال له – النبي ما قدرش يتحمل يا أخي، كُل يوم أنت ملازمني_ فقال له: يا أبا فلان: زُر غِباً تزدد حبا.. تعال مرة وغيب مرة..” انتهى كلامه في المقطع.
وله كلام في مقطع آخر يُصرّح فيه باسم الصحابي وهو (أبو هريرة) ، وأقول ذلك لئلا يأتي مُشغّب فيقول: هو لم يذكر اسم الصحابي، فالقضية لا تحتاج إلى معادلة معقدة ولا غير معقدة ليُعرَف الصحابي، فأي بحث عن الحديث سيوصلك إلى أن لفظه (يا أبا هِرّ -أو يا أبا هريرة- زُر غبا تزدد حبا)

وزيادة على ما في المقطع من تهجم بغير حق على صاحب من خيار أصحاب رسول الله، إلا أن المقطع -أيضاً- يكشف عن إشكال وخلل منهجي في تعامل د.عدنان مع الروايات، وأُجمِل الإشكالات في أربع نقاط:
1- تصريحه بأن سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (زر غبا تزدد حبا) هو كثرة تردده لأجل الأكل.
2- ذِكره أن هذا الأثر -بهذا السبب- ثابت.
3- عدم تدقيقه في ثبوت الرواية مع شدة تدقيقه لما يعارض رأيه من أصح الأحاديث.
4- مخالفة منهجه في تضعيف الحديث الصحيح بالروايات المعارضة له.

فأما الإشكال الأول – بل الكارثة الأولى- : فمن أين أتى د.عدنان إبراهيم بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة “زر غبا تزدد حبا” كان بسبب كثرة تردده على بيته ليأكل؟
بحثتُ في الكُتِب التي أخرجت حديث “زر غبا تزدد حبا” وقلبتُ في الروايات فلم أجد حتى ساعتي هذه رواية واحدة صحيحة ولا ضعيفة فيها أن سبب الحديث موضوع الأكل!!

والسؤال هنا: من أين جاءت هذه الزيادة؟! ممن أخذها د.عدنان ؟! هل اخترعها؟ أم نقلها عن المستشرقين وأذنابهم كأبي رية؟
إن كان اخترعها فهذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم – ولا يصدر منه ذلك إن شاء الله-
وإن كان نقلها عن المستشرقين أو تلاميذهم كأبي رية – وهذا الذي لا أشك فيه- : فهل صار اليهود والنصارى وأذنابهم مصدقين في ذمهم لأصحاب نبينا؟ ثم أليس لديه أدوات لاختبارالمعلومات والتحقق منها؟!
على كل حال هذا هو السؤال الذي حيرني كثيراً ولازلت أطلب تفسيراً له من محبيه .

والإشكال الثاني: فإن حديث “زر غبا تزدد حباً” من أصله ضعيف بكل طرقه وجميع رواياته، وإن حسّنه بعض أهل العلم فإن من ضعّفه منهم أجل قدراً وعِلماً.
فقد قال البزار -وهو من أجلّ من تكلم في هذا الحديث- : (لا يُعلم في “زر غبا تزدد حبا” حديث صحيح)
<كشف الأستار 390/2 ط.الرسالة>
وذكر العُقيلي -وهو من كبار المحدثين- أنه ليس في هذا الباب عن النبي ‏ﷺ شيء يثبت<الضعفاء الكبير للعقيلي 532/2 ت.أحمد معبد>
ورجّح العُقيلي أن الأصح في هذه العبارة “زُر غبا تزدد حباً” أن عبيد بن عمير ذكرها من قول قائل من العرب.
الضعفاء الكبير <158/3>
وليس انتقادي موجهاً لمن حسن الحديث أو صححه -وإن كنت أرى خطأ ذلك- لكن الانتقاد لمن يزعم أنه ثابت بالقصة المُصطنعة وهي التردد لأجل الأكل!

والإشكال الثالث وهوعدم تدقيقه في ثبوت الرواية مع تشديده فيما يعارض رأيه من أصح الأحاديث فهذا اضطراب منهجي في التعامل مع الرويات.
وحديث (زر غِباً) : بما أنه بهذه المثابة من الضعف،وقد تكلم فيه علماء الحديث سابقاً؛ فأين ذهب التدقيق في الروايات الذي رد به الدكتور كثيراً من أحاديث الصحيحين؟
وهل لو روي بنفس إسناد هذا الحديث شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مدح معاوية رضي الله عنه سيتم قبوله منه؟ أم سيرده في وجه صاحبه مع أبشع الألفاظ وأقسى العبارات؟! لا أرجم بالغيب، لكن أترك مجال الإجابة لمن يعرف رده لأصح الأحاديث بأتفه الحجج إن عارضت ما يذهبُ إليه !

والإشكال الرابع وهو أن من عادة الدكتور عدنان أن يُفتش عن كل ما يمكن أن يعارض الأحاديث الصحيحة التي يردها ليدعم رأيه، بينما لم يصنع شيئا من ذلك في هذه الرواية التي يعارضها أكثر من دليل صحيح!

فالمعروف أن أبا هريرة لازم النبي ‏ﷺ لأجل الحديث، وقد شهد له بذلك فقال “ماكنت أظن أن يسألني هذا السؤال أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث”.كما في صحيح البخاري “99”
ثم لماذا يُهمل الرواية الصحيحة في أن أباهريرة كان يخر في المسجد من الجوع، وذلك لانشغاله بملازمة النبي ‏ﷺ عن الصفق بالأسواق؟!
ثم هل كان بيت النبي ‏ﷺ معروفاً بأنواع الطعام الشهي حتى يُسيل لعاب أبي هريرة بزعم عدنان إبراهيم ؟ أم أنه عُرف بعكس ذلك؟

وأيضاً هل كان النبي ‏ﷺ ينزعج من أبي هريرة أم كان يفتقده حتى وهو جُنُب، كما في الحديث الصحيح “أين كنت يا أباهر” قال “كنت جنبا فكرهت أن أجالسك” فقال “المؤمن لاينجس” ؟!!
ثم إني لا أعرف من سيرة النبي ‏ﷺ أنه كان ينزعج ممن يطلبه شيئاً من المال، فهل سينزعج من صاحبه الملازم له بسبب الأكل؟
ثم إن في تصويره لأبي هريرة بهذه الصورة الدنيئة مخالفةً صريحة لدعاء النبي‏ ﷺ له بقوله “اللهم حببه إلى عبادك المؤمنين” كما في صحيح مسلم 2491
فالنبي ‏ﷺ يدعو الله بأن يُحبب عبده أباهريرة لعباده المؤمنين، و عدنان إبراهيم يُصور أبا هريرة بصورة المزعج للنبي بسبب بحثه عن الأكل في بيته!

اللهم إنا نحب أبا هريرة ونشهد أنه كان أمينا على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم

Share