ما الّذي يُثبتُ أنّ الأحاديث النبويّة الّتي تردنا في البخاري ومسلم هي فعلاً أحاديث الرسول وليست مُفتعلة من بشر ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم 

وردني على برنامج (آسك) هذا السؤال فأجبت مستعينا بالله بقدر الأحرف المتاحة للجواب في ذاك البرنامج:

ما الّذي يُثبتُ لي أنّ الأحاديث النبويّة الّتي تردنا في البخاري ومسلم هي فعلاً أحاديث الرسول وليست مُفتعلة من بشر ؟؟ وما الّذي يثبت لنا صدق البخاري بشكلٍ مُسلَّم ؟؟ باختصار , أخشـى أن أصبحَ قرآنيّاً ! فما الحلّ ؟؟

الذي يثبت لك ذلك أمور:

أولا: أن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأنها أمة وسط، ومعنى الوسط= الخيار العدول.

وقد أجمعت هذه الأمة الوسط على أن أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى هما كتابا البخاري ومسلم.

قال الجُويني: ” لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته = من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته؛ لإجماع علماء المسلمين على صحتهما ” (تدريب الراوي 1/142 ط. طيبة).

وقال النووي رحمه الله : ” أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما ” (تهذيب الأسماء واللغات/الأسماء ص143 ط. النفائس).

والإجماعات أكثر من ذلك بكثير.

ثانيا: أن لكل علم أهل اختصاص يُرجَع إليهم فيه، وهذا في سائر العلوم الدينية والدنيوية، الإنسانية منها والطبيعية، وقد أجمع أهل الاختصاص في علم الحديث على صحة ما في صحيحي البخاري ومسلم سوى أحاديث يسيرة جدا ليست موضع إجماع منهم، وكتب علم الحديث طافحة بذلك عند ذِكرهم لمراتب الصحيح. كما أنهم أجمعوا جميعاً على عدالة جامعَي الصحيحين: البخاري: وهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، ومسلم: وهو مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.

وأجمعوا على إمامتهما ودرايتهما بالحديث.

ثالثا: أنت تقول: أخشى أن أصبح قرآنيا، والقران يُخبرك بوجوب اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم! فقل لي أي شيء ستتبع من السنة إذا كنت تشكك في أصحّ ما أجمع المسلمون عليه منها؟

فإن قلت: وأين موضع ذلك من القران؟

فإليك -مثلاً- قول الله تعالى: “فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول”

ولو سألتك: كيف نرد الخلاف إلى الله؟ لقلتَ: إلى كتابه.

وأنا أقول لك: إذاً فالرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته.

وإن قلتَ: هذه الاية خاصة بوقت حياة الرسول الله صلى الله عليه وسلم لكنتَ متحكما مخصصاً بلا مخصص معتبر ولا دليل صحيح، والأصل في آيات القران هو عموم بيانها لكل الأزمان، وليس لزمان دون آخر، ولا لقوم دون غيرهم.

رابعاً: أن سائر أحاديث البخاري ومسلم ينطبق عليها قول الله تعالى عن نبيه (ويعلهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) فإن فيها من الحكمة والتزكية والقِيَم النبيلة والتشريعات الحكيمة ما لا يخفى على من له إلمام بنصوص الصحيحين، وأما من في قلبه زيغ فإنه يقف عند بعض النصوص التي قد تُشكِل معانيها أو ربما تتعارض ظواهرها، ويترك المُحكَم إلى المتشابه، وقد قال الله عن القران (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة)وكما أن في القران متشابه فكذلك السنة.

خامسا: أن كثيرا من الأحكام أو الأخبار الشرعية التي يتفق عليها المسلمون إنما جاء بيانها في السنة، إما تفصيلا لما أُجمِل في القران، أو تخصيصا لعمومه، أو استقلالا ببيان شيء لم يرد في الكتاب من حُكمٍ أو خَبر.

وبالجُملة فإنك لا تستطيع أن تُقيم الأحكام الشرعية المفروضة إلا بالسنة مع القران، وهنا يلزمك أحد أمرين:

إما أن تنتقي من السنة انتقاء غير منضبط بقانون وهذا تحكُّم لا يليق بالسنة التي هي مصدر من مصادر التشريع! أو أنك تنضبط بميزان علمي مُحكم يقنن لك ما يصلح أن يُقبَل من المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يصلح.

ولن تجد قانوناً يضبط لك ذلك بإحكام وشمولية وواقعية سوى علم الحديث -الذي حَكم بصحة ما في الصحيحين-؛ فدونك هذا العلم فاقرأ عنه من أهله، اقرأ عن تاريخ تدوينه وتطوره ثم استوائه و تعلم قوانينه ولا تحكم عليه وأنت لا تعرف عنه سوى ما تسمع من شبهات حوله!

وأؤكد عليك: اقرأ عنه من أهله لا من غيرهم.

هذا جواب لا يكفي إلا أن برنامج (آسك) لم يسمح لي بمزيد من الحروف،و أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجواب المختصر

أحمد السيد – http://ask.fm/alsayedahmad

Share

اترك تعليقاً