مفاتيح البصيرة عند النوازل والفتن

بسم الله الرحمن الرحيم
معيار إصابة الحق عند النوازل الفتن
كثيراً ما يأخذ الخلاف الإسلامي المعاصر  منحنىً حادّاً إذا كان متعلقا ببعض النوازل الكبرى المرتبطة بالعمل الإسلامي دعوياً كان أم جهادياً أم سياسياً أم إصلاحياً عامّا!
وصار من الطبيعي ادّعاء كل طرف من أطراف الخلاف أنه على الحق وأن مخالفه على الباطل، إضافة إلى عدم انفكاك بعض هذا الخلاف عن إطلاق الأسماء الشرعية التي تُبنى عليها الأحكام: كالتكفير و التفسيق و التبديع بالغلو أو الخروج أو الإرجاء ونحو ذلك.
ومن يشاهد من أهل الورع والإنصاف كل هذه الاختلافات وملابساتها، فإنه قد يفزع إلى تكرار هذا الأثر “فتنة يكون الحليم فيها حيران” ومن ثم قد يتخذه تُكَأة يبرر بها عزلته عن كل هذه الأمور!
بينما يجد نوعٌ آخر من أهل الورع والبحث عن الحق رغبةً في الوصول إلى الصواب، وحذراً من التلبُّس بباطل يظنه حقاً، أو فتنةٍ يحسبها رشاداً، أو عزلةٍ وسكوتٍ يظنها ورعاً محمودا وهي في الحقيقة عجزٌ مذموم!
قال ابن تيمية رحمه الله (وكثيرا ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل، فإن كلاهما فيه ترك، فيشتبه ترك الفساد لخشية الله تعالى بترك ما يؤمر به من الجهاد والنفقة، جبنًا وبخلًا، وقد قال النبي ﷺ : “شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع” قال الترمذي: حديث صحيح) الفتاوى(28/291)
ومع أن لكل قضية من النوازل ملابساتها وقرائنها، التي يوصل النظر فيها بالعلم والعدل إلى نتيجة محمودة، إلا أن المسلم بحاجة -مع هذا النظر- إلى قلبٍ ذي بصيرة، وإلى مجموع حالٍ يستجلب له التوفيق الإلهي.
إن الله سبحانه وتعالى يفتح على بعض القلوب -لأوصافٍ قامت بها- ما ينغلق على البعض الآخر، ويُبصِّر أقواماً -لمراعاتهم أسباب البصيرة- بما أعمى عنه آخرين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
إن من يتأمل في كتاب الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أن من الأعمال ما يوصف بأنه يقود إلى الهداية، وأن المتمسك به ينتهي إلى الرشاد والتوفيق.
فإذا التزم المؤمن هذه الأعمال، ثم جمع مع ذلك النظر بالعلم والعدل إلى ما وقع فيه الاختلاف فما ظنك بقدر إصابته للحق؟!
إن معيار إصابة الحق في أمور الاختلاف المذكور يدور على هذين الأمرين:
الأول: النظر بالعلم والعدل فيما وقع فيه الاختلاف.
فأما العلم فيدخل تحته نوعان: العلم بالواقع، والعلم بالشرع، وغالب الخلل الواقع في عصرنا هو من غياب أحد هذين النوعين من العِلم عند الحُكم على القضايا.
واجتماع هذين العِلمين هو ما ميّز العلماء المجددين كابن تيمية رحمه الله، وقد سُئل مرة عن حكم قتال التتار وقد تكلموا بالشهادتين، وانتسبوا إلى الإسلام… الخ السؤال في الفتاوى (28/509) فبعد أن ذكر الجواب قال (وهذا مبنيّ على أصلين: أحدهما المعرفة بحالهم، والثاني معرفة حكم الله في مثلهم) اهـ .
وذَكر نحو هذا ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، فقال (ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما . والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر ; فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا ) (ص 66 ط. طيبة ذات المجلد الواحد)
هذا ما يتعلق بالعلم.
 وأما العدل التام فعزيز في كثير من قضايا الاختلاف، وهو شرط في الوصول إلى الحق، وأكبر عوائق تحقيق العدل: التعصب للجماعات وقاداتها وفقهائها، وقد أمر الله بالعدل في جميع الأحوال، ومع جميع الناس، فقال “ ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
والأمر الثاني الذي يدور عليه معيار إصابة الحق هو: التمسك بأسباب البصيرة والاهتداء.
وهذان الأمران لا ينفكان عن بعضهما، فوجود العلم والعدل إنما يكمل بالتسديد والتوفيق الإلهي، وكذلك العكس؛ فإن من التوفيق الإلهي للعبد أن يوجهه للعلم والعدل،  و من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين
والمقصود من هذه الورقة: الحديث عن الأمر الثاني.
وقد عِشتُ معه بقلبي وجوارحي، وكنتُ -ولا زلتُ- أعتقد أنه من المواضيع المهمة التي ينبغي على كل مسلم الاعتناء بها باهتمام وحرص! 
فمن المعلوم أن حسن النية ووجود العاطفة الإسلامية لدى المرء لا يكفيان للوصول إلى الحق، ولا للانفكاك من الضلال.
وليس كلّ ضالٍّ يعلم في نفسه أنه ضال؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) , و جاء في أحاديث الخوارج التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه أنه قال: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم..) ثم قال عنهم صلى الله عليه وسلم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فمجرد إرادة الخير ليست عاصمة لصاحبها من الضلال حتى يتمسك بمفاتح الهدى وأسباب التوفيق.
التخلية قبل التحلية
كما أن الإسلام لا يصح إلا بالكفر بالطاغوت، فكذلك الهداية لا تتم إلا بالتخلص من موانعها أو معوقات كمالها وتمامها.
وحين نقرأ قول الله “سأصرف عن آياتي الذي يتكبرون في الأرض بغير الحق” وقوله “والله لا يهدي القوم الظالمين” وقوله “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” و حين نقرأ الايات التي فيها أن الله يطبع على قلوب أقوام ويختم عليها نُدرك أن المفتاح الأول للتوفيق الإلهي هو التخلّي عن هذه الأعمال الموجبة لمثل هذه العقوبات الشديدة!
وسأذكر بعض هذه الأعمال:
1- الظلم والتكبر والترفع على الناس والإفساد في الأرض، والدليل على كونها من أسباب الضلال وموانع الاهتداء: قول الله تعالى “كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار” وقوله “سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
2-  الركون إلى أهواء الكفار الصادين عن سبيل الله واتخاذهم أولياء ، والدليل  قول الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين
وقوله “يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وقوله “ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك” وقوله “ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات
3-تراكم الذنوب حتى يسوَدّ القلب فيعمى عن رؤية الحق: قال الله “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” وفي المسند والسنن من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت، حتى تعلو قلبه وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن “كلا بل ران قلوبهم ما كانوا يكسبون” وقال الترمذي: حسن صحيح.
4- الأعمال التي ارتبطت عقوبتها بالطبع على القلب أو الختم عليه أو إزاغته أو خلق النفاق فيه.
وقد جاء في سورة التوبة من ذلك أكثر من آية في شأن المنافقين، الذين يتخلفون عن القتال مع رسول الله، والذين يخلفون العهد مع الله، قال الله تعالى “رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون” وقال “رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون وقال “فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون وقال “وإذا ما أُنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون
وكذلك من أسباب تقليب القلب وإضلاله: أن يرد المرء الحق بعد أن يستبين له، كما قال الله “ونُقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة
واستقصاء ما جاء في القران من أسباب الختم على القلوب وطبعها يُطيل هذه الورقة المراد لها الاختصار.
 
 بصيرة المُوحِّد
قبل أن أذكر الدليل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على كون اجتناب الشرك وتحقيق التوحيد التام مفتاحاً من مفاتيح البصيرة والهدى أحب أن أنبه إلى أن أبواب الشرك كثيرة وليست كما يظن البعض بأنها قليلة منحصرة في تعظيم قبة أو طواف على ضريح!
 فقد جاء عن ابن مسعود أنه قال “الربا ثلاثة وسبعون بابا، والشرك نحو ذلك” رواه عبدالرزاق في المصنف برقم (15347) وهو أثر صحيح عن ابن مسعود، فإن أبواب الشرك منها ما هو ظاهر ومنها ما يكون خفيا، ومنها ما هو متعلق بالقلب، ومنها ما هو متعلق باللسان، ومنها ما هو متعلق بأعمال الجوارح، ومن أبواب الشرك: المحبة، والخوف، والخشية، والتوكل، والطاعة المطلقة لغير الله.
والدليل على أن اجتناب الشرك وتحقيق التوحيد قائد إلى الاهتداء: قوله تعالى:(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فإن المراد بالظلم  في الاية: الشرك، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذْ قال:” لما نزلت:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ). شق ذلك على المسلمين فقالوا أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس ذلك، إنما هو الشرك. ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )“. أخرجه البخاري برقم 3429
ومما يزيد الأمر وضوحا في أن اجتناب الشرك من أسباب الهدى: قول الله: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) وهذه الاية تجمع مفتاحين من مفاتيح الاهتداء المذكورة في هذه الورقة:
1-  اجتناب الشرك وتحقيق التوحيد = (اجتنبوا الطاغوت)
2- الإنابة  =(وأنابوا إلى الله)
الإنابة سر الهداية
 الإنابة هي: الرجوع إلى الله والإقبال عليه، فمن وجدته دائم الرجوع إلى الله، منجذبةً دواعي قلبه إليه، مقبلاً بظاهره وباطنه إلى مولاه فإنه عبدٌ منيب، و ” الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب “
قال الله سبحانه🙁 قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب)
وقال سبحانه: ( وما يتذكر إلا من ينيب )
وهذه آيات عظيمة جدا في هذا المعنى.وقد جاء في سورة لقمان ( واتبع سبيل من أناب إليّ) وهي آية مضَمّنة صحة طريق المنيبين إذْ أن الله أمر باتباع سبيلهم!
قال السعدي تعليقا على هذه الآية (واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه)اهـ (تفسير ابن سعدي ص 1351 ط. ابن الجوزي)
ومما يُلاحظ في بعض الآيات أنه قد جاء ذكر الإنابة بالفعل المضارع: (ينيب) مما يدل على ملازمتهم هذا العمل،  قال البغوي في تفسير قول الله “وما يتذكر إلا من ينيب  يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره. اهـ
من أخذ به كان على الهدى
 إن الفرح بالقران، وتلاوته بالليل والنهار، والتدبر في آياته، والوقوف عند حدوده لمن أكبر أسباب الاهتداء ومفاتح البصيرة، وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الرسالة ( ص 20)
فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها” 
والأدلة من كتاب الله وسنة رسوله على هداية هذا الكتاب كثيرة، 
فقد قال الله تعالى: ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
وقال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل).أخرجه مسلم (2408) .
المجاهدة في سبيل الحق لأجل الحق
 قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
قال الشنقيطي في أضواء البيان “ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الذين جاهدوا فيه ، أنه يهديهم إلى سبل الخير والرشاد ، وأقسم على ذلك بدليل اللام في قوله : لنهدينهم) اهـ (6/471) .
فالذين يهديهم الله هم أقوام لا يستسلمون لأهوائهم ولا للشيطان، بل لا يزالون في كفاح ومجاهدة في تحقيق رضا الله تعالى والتمكين لدينه.
وإذا طالعت أقوال المفسرين في هذه الاية تجد أنهم يُدخلون فيها -إضافة إلى جهاد الكفار-: المجاهدة في طلب العلم، والمجاهدة في العمل بالعلم، ومجاهدة النفس والشيطان.
قال النسفي رحمه الله: ( “والذين جاهدوا” : أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين. “فِينا”: فى حقنا ومن أجلنا ولِوجهنا خالصا “لنهدينهم سبلنا” أى لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقا اهـ. تفسير النسفي (3/264)
ومن يعتصم بالله فقد هُدي
ذاك الذي تراه كلما ضاقت به الأمور وجد السَّعة في بث شكواه إلى الله، وكلما كثر عليه الأعداء لم يجد منهم ملجأً إلا إلى الله، وكلما التبست عليه الأمور، واختلطت أمامه السبل توكل على الله في طلب الهدى وبيان الحق = فهو الذي قد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
حين ذكر الله في سورة آل عمران أن من أسباب الغواية والضلال اتباع الكفار، أرشد إلى طريق الهداية والتوفيق فقال (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)
قال البغوي: ” ومن يعتصم بالله ” أي : يمتنع بالله ويتمسك بدينه وطاعته ” فقد هدي إلى صراط مستقيم ” طريق واضح اهـ وقال ابن كثير تعليقاً على هذه الاية  (فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية ،والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد وحصول المراد) .اهـ(تفسير ابن كثير 2/86 ط. طيبة)
 وأصل العصم : المنع ، فكل مانع شيئاً فهو عاصمه ، والممتنع به معتصم به ولذلك قيل للحبل : عصام ، وللسبب الذى يتسبب به الرجل إلى حاجته عصام . ذكره ابن جرير في تفسيره (5/635).
ومما جاء في القران مؤكداً على ارتباط الهداية بالاعتصام: قول الله سبحانه : “يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيماقال ابن كثير رحمه الله تعالى: “فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به” أي جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم. اهـ (تفسير ابن كثير 2/482) ـ.
فالمؤمن المتوكل على الله المعتصم به المحتمي به المعتز به يُهدى إلى صراط مستقيم.
وإن تطيعوه تهتدوا
 قال الله تعالى في حق رسوله الكريم (واتبعوه لعلكم تهتدون) وقال (وإن تطيعوه تهتدوا)
قال القرطبي (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (جعل الاهتداء مقرونا بطاعته)اهـ.وكلما زاد اقتداء المرء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه سنته في جميع أحواله تحققت له الهداية.
وكما أن اتباعه صلى الله عليه وسلم من أسباب الاهتداء فإن مخالفة أمره من أسباب الضلال كما قال الله “فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم” فلذلك فليحذر الذين يهونون من شأن سنته، ويطعنون فيها، ويردونها لأدنى سبب وبلا تأمل ورجوع إلى كلام أهل العلم فيما لم يفهموه منها أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم.
يارب اهدنا
 لاتصح صلاة امرئ إلا بالدعاء بالهداية في الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم)!
وجاء في الحديث القدسي الصحيح الذي أخرجه مسلم: (ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) (ح 2577)
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه الذي شهد له بأن الله يحبه بالدعاء بالهداية، فقد قال علي رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:( قل: “اللهم اهدني وسددني” ، واذكُر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم ). أخرجه مسلم 2725.وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يستهدي بالله ويوصي خير أصحابه بالاستهداء.
فعن طارق بن أشيم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أسلم يقول:”اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني“. أخرجه مسلم 2697.وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) أخرجه مسلم2721.فما ظنك بإنسان أدرك حقيقة قول الله تعالى في الحديث القدسي (كلكم ضال إلا من هديته) فعرف قدر حاجته إلى الهداية، فطلبها من مالكها طلب الفقير المحتاج المضطر الخائف الراجي؟
لا شك أنه سيتحقق فيه قول الله (فاستهدوني أهدِكم)
والحمد لله رب العالمين..
 

رابط المقال على تويت ميل
http://twitmail.com/1RYu

كُتب أصل هذا المقال بعنوان (المفاتيح الثمانية) وبعد تحريره والزيادة الكبيرة عليه وحذف أجزاء منه أُخرج بهذا العنوان والمضمون الجديد.
أحمد بن يوسف السيد
3 – 12 – 1434 هـ 
Share

اترك تعليقاً